بسم الله الرحمن الرحيم
يظن بعض الناس أن أصحاب الشريعة وأبناء الملة لا يعرفون الحب ، ولا يقدرونه حق قدره ، ولا يدرون ما هو ، والحقيقة أن هذا وهم وجهل ، بل الحب العامر أنشودة عذبة في أفواه الصادقين ، وقصيدة جميلة في ديوان المحبين ، ولكنه حب شريف عفيف ، كتبه الصالحون بدموعهم ، وسطره الأبرار بدمائهم ، فأصبحت أسماؤهم في سجل الخلود معالم للفداء والتضحية والبسالة . وقصدت من هذه الرسالة الوقف مع القارئ على جوانب مشرقة ، وأطلال موحشة في مسيرة الحب الطويلة ، التي بدأها الإنسان في حياة الكبد والنكد ، ليسمو إلى حياة الجمال والجلال والكمال ، وسوف يمر بك ذكر لضحايا الحب وقتلاه ، وستعرف المقصود مما أردت إذا قرأت ، وتعلم ما نويت إذا طالعت .
والله وحده نسأل أن يجعلنا من أحبابه ، والشهداء في سبيله .
الحب ماء الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس .
تعكف الناقة على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ، وتتألق العيون . الحب قاض في محكمة الدنيا ، يحكم للأحباب ولو جار ، ويفصل في القضايا لمصلحة المحبين ولو ظلم ، بالحب وحده تقع جماجم المحاربين على الأرض كأنها الدنانير ،لأنهم أحبوا مبدأهم ، وتسيل نفوسهم على شفرات السيوف ، لأنهم أحبوا رسالتهم ، أحب الصحابة والمنهج وصاحبه ، والرسالة وحاملها ، والوحي ومنزله ، فتقطعوا على رؤوس الرماح طلبا للرضا في بدر ، وأحد ، وحنين ، وهجروا الطعام ، والشراب ، والشهوات في هواجر مكة ، والمدينة ، وتجافوا عن المضاجع في ثلث الليل الغابر ، وأنفقوا طلبا لمرضاة الحبيب .
بالحب صاح حرام بن ملحان مقتولا : فزت ورب الكعبة !، بالحب نادى عمير بن الحمام إلى الجنة مستعجلا : إنها لحياة طويلة إذ بقيت حتى آكل هذه التمرات ! ، بالحب صرخ عبد الله بن عمرو الأنصاري : اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى !. لما أحب الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ صارت له بردا وسلاما ، ولما أحب الكليم موسى ـ عليه السلام ـ انفلق له البحر ، ولما أحب خاتمهم حن له الجذع ، وانشق له القمر .
المحب عذبه عذاب ، واستشهاده شهد لأنه محب .
أحبك لا تسأل لماذا لأنني *** أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي
وإذا كرهت صارت كل كلمة عندك جارحة ، وكل تصرف مشبوها ، وكل حركة مشكوك فيها ، وكل إحسان إساءة . المحب هجره وصال ، وغضبه رضا ، وخطيئته إحسان ، وخطؤه صواب .
ويقبح من سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا !
الحب حبان : حب ارضي طيني سفلي إنما هو هيام وغرام ، وحب علوي سماوي إلهي ، وهو طاعة وعبادة وشهادة وسيادة .
فحب الأرض للعيون السود والخدود والقدود ، ووادي الغضا ، وأهل البان ، وذكريات سلمى ، وأيام ليلى .
وحب الإله تعلق بشرعه ، وانقياد لأمره ، وامتثال لدينه ، وتقرب منه .
حب الطين آهات وزفرات وحسرات وندامات .
وحب رب العالمين علو ورفع وكرامة وسلامة وسعادة وريادة ، كيف لا تحب الله وما من نعمة عليك إلا هو منعمها ، ولا بلية إلا هو صرفها؟ ! هو المحسن وحده _ جل في علاه _ .، فقضاؤه عدل ، وشرعه رحمة ، وخلقه جميل ، وصنعه حكيم ، وفضله واسع ، ووصفه حسن ، فلا عيب في شئ من صفاته ، بل الكمال كله فيها ، ولا نقص في تدبيره ، بل الحكمة أجمعها فيه ، ولا خلل في صنعه ، بل الحسن أوله وآخره فيه ، فحبه واجب ، والتقرب منه فريضة ، وشكره حتم ، وطاعته لازمة .
والسلام عليكم ...................
بعض المقاطع منقولة من كتاب الاستاذ الدكتور عائض القرني نفع الله الامة بعلمه
بعض المقاطع منقولة من كتاب الاستاذ الدكتور عائض القرني نفع الله الامة بعلمه