من طرف بسم الله الرحمن الرحيم
في رأيك إيه أهم وظيفة في مصر الآن؟ سؤال يبدو بسيطا ويحتاج منك طبعا إجابة، لكن وأنت بتفكر وبتدور على إجابة مناسبة منطقية أو حتى غير منطقية.. خليك هنا شوية هاقول لك على إجابات ناس تانية.. إجابات معقولة لكن ناقصها حاجة.. عارف إيه هي.. انزل تحت شوية هاقول لك حالا....
في تحقيق صغير نشرته جريدة الشباب وجّهت فيه سؤالا غاية في البساطة لعدد من الشباب وهو: "إيه أهم وظيفة في مصر حاليا من وجهة نظرك؟!
الإجابات بالنسبة لي لم تكن غريبة أبدا بل كانت تقليدية أشبه بإجابات السؤال الذي كانوا يسألونه لنا ونحن صغار: "عايز تطلع إيه لما تكبر؟" فكانت إجاباتنا: "مدرّس، دكتور، محامٍ، طيار، ظابط شرطة... ومؤخرا طبعا رئيس جمهورية"، فكانت إجابتهم: "طبعا النائب العام أهم وظيفة؛ لأنه يهتم بكل القضايا في البلد وأصبح من المناصب الحيادية في البلد، وليس عليه ضغوط ويمارس مهنته في جوّ يوفر له الإمكانيات.. فالدولة لا تقف عقبة أمامه وتساعده في بعض القضايا المهمة".. كلام جميل لكن ناقصه حاجة..
واحد تاني قال: "خطيب المسجد؛ لأنه يؤثر في الناس تأثيرا كبيرا وتعتبر وظيفته من أخطر الوظائف؛ لأنه يستطيع بكلمة تحديد مصير أي شاب من الموجودين في المسجد".. رغم اعتراضي الشديد على كلامه إلا أنه كان ردا من ضمن الردود.. ونفس الكلام على المحامي وظابط الشرطة والطبيب وحتى الفنان ولاعب الكرة وسائق الأتوبيس ومترو الأنفاق..
لكن سيبك من كل دول الحرامي هو أهم وظيفة في مصر؟!
ده كان نتيجة التحقيق الصغير اللي عملته لمجموعة من الشباب برضه، وكانت هي دي إجابتهم "الحرامي".. أيوه الحرامي.. ما تستغربش فعليا كل الوظائف اللي قالها الشباب قبل كده كلها مهن عليها علامات استفهام كثيرة جدا، وينقصها التأثير والفاعلية، وأقصد طبعا التأثير الإيجابي، فالنائب العام مثلا والمحامي وظابط الشرطة رمز للقانون ولكن ما يحدث في الشوارع وفي المنازل والمؤسسات من فساد تنشر الصحف أخباره كل يوم يقول إننا في عصر غياب القانون ورجاله لا وجود لهم فعليا على أرض الواقع..
الطبيب والصيدلي من المفترض أنهما وظيفتان مهمتان بدون شك لكن الآن واضح أن تأثير الكثير من أصحابهما كان بالعكس تماما، فتجاوزات الأطباء والصيادلة والممرضات أيضا وجبة يومية على مائدة الصحف المصرية ما بين التجاوزات الأخلاقية إلى الإهمال إلى قتل المرضى معنويا وجسمانيا..
خطيب المسجد الذي يقول عنه ذلك الشاب إنه بكلمة منه يحدّد مصير أي شاب من الموجودين في المسجد، وهذا في رأيي غير صحيح بالمرة؛ لأنه أولا وأخيرا بشر لديه علم -وارد جدا- لكن هذا العلم لا يعطيه أبدا الحق في تحديد مصير إنسان بالخير أو الشر.. هذا في الأصل إلى جانب أن خطيب المسجد فقد الكثير من تأثيره على مستمعيه بغضّ النظر عن شهرته، فما يقوله مرة يقوله مرات ولا جديد.. بل إننا نلمس تدهورا في جوانب أخلاقية كثيرة من حياتنا لدرجة الانهيار الأخلاقي رغم وجود خطيب المسجد وممارسته لعمله سواء على أكمل وجه أو بإهمال ولا مبالاة بمسئولية ما يقوله، أو حتى لكونه مؤهلا أو لا فهذه قضية أخرى..
سائق الأتوبيس وسائق القطار ومترو الأنفاق والسائق عموما الذي وصفه شاب بأنه المتحكم في عودتنا من وإلى عملنا.. متحكم أيضا بشكل أو بآخر في مزيد من حوادث الطرق التي جعلت مصر في أعلى قائمة طويلة من أكثر الدول التي تشهد دماءً على الطرق السريعة وغير السريعة، والأمر نفسه بالنسبة لسائقي القطارات فمن منا ينسى حوادث مروعة لقطارات العياط والصعيد..
حتى لاعبو الكرة والفنانون هم أيضا مسئولون عن إضافة مزيد من الهموم سواء بالانتكاسات الكروية أو الأخبار المستفزّة عن الفضائح وارتفاع الأجور وغيرها.. وفي هذا الشأن حدّث ولا حرج..
أما الحرامي سواء في المواصلات العامة أو على مستويات عليا فهو الوحيد الذي يعمل في صمت تام، وهذا ليس دفاعا عن الحرامي بالطبع كما أن المقصود ليس أن تأثيره إيجابي، ولكنه لا يتحدث في الإعلام على أنه صاحب رسالة سامية.. يعرف أنه حرامي يسرق القليل أو الكثير لكنه يدرك حجم ما يرتكبه.. يعرف أن القانون العادل سيلاحقه اليوم أو غدا ولا يكتب مذكراته على أنه ظُلِم وأهين في مجتمع لا يقدر قيمة اللصوص..
الحكاية ببساطة إذا كان مقياسنا لأهم وظيفة في مصر هو مقياس الفاعلية والتأثير والبعد عن الجمل الثابتة التي نصف بها وظائفنا على أنها تخدم المجتمع وترفع من شأنه وهي في الواقع عكس ذلك تماما.. إذا كان المقياس هو من الفاعل الحقيقي فيما وصلنا إليه ونلمسه رغم وجود الفن والقانون والرياضة والثقافة، فهمّش هؤلاء وجعل منهم عرائس ماريونت، وديكور لزوم المجتمع المتحضر، إلا أنه ظل في الخفاء يعمل فوصلنا إلى حالة يسميها المبصرون "مجتمع في طريقه إلى السقوط".
كل ما في الأمر أن الحرامي أهم وظيفة في مصر نتيجة منطقية؛ لأنه اختفى رجل القانون الحقيقي والفنان الحقيقي والطبيب الحقيقي، والموجود على الساحة هو ديكور دائم لمسرحية هزلية عرضها مستمر..
م
ن
ق
و
ل
في رأيك إيه أهم وظيفة في مصر الآن؟ سؤال يبدو بسيطا ويحتاج منك طبعا إجابة، لكن وأنت بتفكر وبتدور على إجابة مناسبة منطقية أو حتى غير منطقية.. خليك هنا شوية هاقول لك على إجابات ناس تانية.. إجابات معقولة لكن ناقصها حاجة.. عارف إيه هي.. انزل تحت شوية هاقول لك حالا....
في تحقيق صغير نشرته جريدة الشباب وجّهت فيه سؤالا غاية في البساطة لعدد من الشباب وهو: "إيه أهم وظيفة في مصر حاليا من وجهة نظرك؟!
الإجابات بالنسبة لي لم تكن غريبة أبدا بل كانت تقليدية أشبه بإجابات السؤال الذي كانوا يسألونه لنا ونحن صغار: "عايز تطلع إيه لما تكبر؟" فكانت إجاباتنا: "مدرّس، دكتور، محامٍ، طيار، ظابط شرطة... ومؤخرا طبعا رئيس جمهورية"، فكانت إجابتهم: "طبعا النائب العام أهم وظيفة؛ لأنه يهتم بكل القضايا في البلد وأصبح من المناصب الحيادية في البلد، وليس عليه ضغوط ويمارس مهنته في جوّ يوفر له الإمكانيات.. فالدولة لا تقف عقبة أمامه وتساعده في بعض القضايا المهمة".. كلام جميل لكن ناقصه حاجة..
واحد تاني قال: "خطيب المسجد؛ لأنه يؤثر في الناس تأثيرا كبيرا وتعتبر وظيفته من أخطر الوظائف؛ لأنه يستطيع بكلمة تحديد مصير أي شاب من الموجودين في المسجد".. رغم اعتراضي الشديد على كلامه إلا أنه كان ردا من ضمن الردود.. ونفس الكلام على المحامي وظابط الشرطة والطبيب وحتى الفنان ولاعب الكرة وسائق الأتوبيس ومترو الأنفاق..
لكن سيبك من كل دول الحرامي هو أهم وظيفة في مصر؟!
ده كان نتيجة التحقيق الصغير اللي عملته لمجموعة من الشباب برضه، وكانت هي دي إجابتهم "الحرامي".. أيوه الحرامي.. ما تستغربش فعليا كل الوظائف اللي قالها الشباب قبل كده كلها مهن عليها علامات استفهام كثيرة جدا، وينقصها التأثير والفاعلية، وأقصد طبعا التأثير الإيجابي، فالنائب العام مثلا والمحامي وظابط الشرطة رمز للقانون ولكن ما يحدث في الشوارع وفي المنازل والمؤسسات من فساد تنشر الصحف أخباره كل يوم يقول إننا في عصر غياب القانون ورجاله لا وجود لهم فعليا على أرض الواقع..
الطبيب والصيدلي من المفترض أنهما وظيفتان مهمتان بدون شك لكن الآن واضح أن تأثير الكثير من أصحابهما كان بالعكس تماما، فتجاوزات الأطباء والصيادلة والممرضات أيضا وجبة يومية على مائدة الصحف المصرية ما بين التجاوزات الأخلاقية إلى الإهمال إلى قتل المرضى معنويا وجسمانيا..
خطيب المسجد الذي يقول عنه ذلك الشاب إنه بكلمة منه يحدّد مصير أي شاب من الموجودين في المسجد، وهذا في رأيي غير صحيح بالمرة؛ لأنه أولا وأخيرا بشر لديه علم -وارد جدا- لكن هذا العلم لا يعطيه أبدا الحق في تحديد مصير إنسان بالخير أو الشر.. هذا في الأصل إلى جانب أن خطيب المسجد فقد الكثير من تأثيره على مستمعيه بغضّ النظر عن شهرته، فما يقوله مرة يقوله مرات ولا جديد.. بل إننا نلمس تدهورا في جوانب أخلاقية كثيرة من حياتنا لدرجة الانهيار الأخلاقي رغم وجود خطيب المسجد وممارسته لعمله سواء على أكمل وجه أو بإهمال ولا مبالاة بمسئولية ما يقوله، أو حتى لكونه مؤهلا أو لا فهذه قضية أخرى..
سائق الأتوبيس وسائق القطار ومترو الأنفاق والسائق عموما الذي وصفه شاب بأنه المتحكم في عودتنا من وإلى عملنا.. متحكم أيضا بشكل أو بآخر في مزيد من حوادث الطرق التي جعلت مصر في أعلى قائمة طويلة من أكثر الدول التي تشهد دماءً على الطرق السريعة وغير السريعة، والأمر نفسه بالنسبة لسائقي القطارات فمن منا ينسى حوادث مروعة لقطارات العياط والصعيد..
حتى لاعبو الكرة والفنانون هم أيضا مسئولون عن إضافة مزيد من الهموم سواء بالانتكاسات الكروية أو الأخبار المستفزّة عن الفضائح وارتفاع الأجور وغيرها.. وفي هذا الشأن حدّث ولا حرج..
أما الحرامي سواء في المواصلات العامة أو على مستويات عليا فهو الوحيد الذي يعمل في صمت تام، وهذا ليس دفاعا عن الحرامي بالطبع كما أن المقصود ليس أن تأثيره إيجابي، ولكنه لا يتحدث في الإعلام على أنه صاحب رسالة سامية.. يعرف أنه حرامي يسرق القليل أو الكثير لكنه يدرك حجم ما يرتكبه.. يعرف أن القانون العادل سيلاحقه اليوم أو غدا ولا يكتب مذكراته على أنه ظُلِم وأهين في مجتمع لا يقدر قيمة اللصوص..
الحكاية ببساطة إذا كان مقياسنا لأهم وظيفة في مصر هو مقياس الفاعلية والتأثير والبعد عن الجمل الثابتة التي نصف بها وظائفنا على أنها تخدم المجتمع وترفع من شأنه وهي في الواقع عكس ذلك تماما.. إذا كان المقياس هو من الفاعل الحقيقي فيما وصلنا إليه ونلمسه رغم وجود الفن والقانون والرياضة والثقافة، فهمّش هؤلاء وجعل منهم عرائس ماريونت، وديكور لزوم المجتمع المتحضر، إلا أنه ظل في الخفاء يعمل فوصلنا إلى حالة يسميها المبصرون "مجتمع في طريقه إلى السقوط".
كل ما في الأمر أن الحرامي أهم وظيفة في مصر نتيجة منطقية؛ لأنه اختفى رجل القانون الحقيقي والفنان الحقيقي والطبيب الحقيقي، والموجود على الساحة هو ديكور دائم لمسرحية هزلية عرضها مستمر..
م
ن
ق
و
ل
